الرؤية القرآنية للقيم وتشكل وعي العلم (6)
عبد الحق الزموري
أشرنا في الجزء الخامس من سلسلة المقالات هذه إلى أن تيارا من الباحثين بدأ يتشكل حول فكرة الحاجة إلى رؤية قرآنية للقيم الكونية؛ وإذا كان بعض هؤلاء قد توقفوا عند وعي الضرورة، ولم يتجاوزوا مستوى الشعار، والمعالم الكبرى لوجود تلك الرؤية، فإن البعض الآخر بدأ يعيد النظر في السؤال الأخلاقي في الإسلام عبر إعادة رسم حيازات العلم نفسه: التعريف، المجال، النَّسَب المعرفي، العلاقات مع الفروع العلمية الأخرى، السلّم ... الخ. طبعا، نحن هنا لا ندّعي الإحاطة بكل من تدبّر المسألة تحت هذا السقف (وعددهم قليل أصلاً)، كما لا ندّعي لهؤلاء إحاطة بكل تلك المستويات في عملية التفكيك وإعادة التركيب؛ لذلك سنحاول في هذه المقالة رسم خارطة لبعض أولئك المشتغلين بموضوعتنا، والتعريف بأعمالهم وبمساراتهم العلمية، أولئك الذين يميّزون (أو يعملون على التمييز) بين القيم والأخلاق والايتيقا، في مستوى المفْهَمَة ومجال التحرك والمنهج والسُلّم التراتبي ... الخ.، ونقسّم هذا الجزء إلى قسمين: نعرض في الأول ما نسمّيه (تجاوزًا) بالمحاولات "المُسائلة"، ونتوقف في الثاني عند ما نطلق عليه "المحاولات المتدبّرة".
القسم I : خرائطية المحاولات "المُسائلة"
سعت الأكاديميا الغربية، وخاصة بعد المأزق الأخلاقي الذي تسببت به آثار الحربين العالميتين (1914 – 1948)، إلى تخصيص كل من القيم والأخلاق والايتيقا بمجالات علمية مستقلة ومختلفة عن صاحباتها، فيظهر التمييز بين المجالات المعرفية للقيم والأخلاق والايتيقا مع عدد من علماء الانثروبولوجيا الغربيين، كـلويس ديمون (Dumont, 1980) وجُويل روبينز (Robbins, 2007; 2016) وجايمس لايدلاو (Laidlaw, 2017) وغيرهم. وقد حاولوا فصلها عن بعضها البعض في عملية مفهَمَتها، وذلك عبر تضمينها في القواميس والمعاجم على سبيل المثال.
وقد سعى بعض الباحثين المهتمين بالأخلاق الإسلامية (ممّن سميناهم بتيار القيم القرآنية) إلى البدء من محاولة تعريف تلك المفاهيم ورسم حيوزها (وهم حتى الآن قلّة)، وإن كان بعضهم لا زال يسير على درب الفلاسفة والمعجميين الغربيين في تعريفاتهم وتقسيماتهم.
***
بين "الهاجس" والقدرة: محاولات في إعادة التركيب
يذهب طارق رمضان إلى وضع الإشكالية في إطارها عندما يقول: "عند مناقشة "الأخلاق الإسلامية"، من الضروري البدء بتحديد ووصف كلٍ من مصطلح الأخلاق، ومصادرها. يجب فهم هيكل المفاهيم الأخلاقية في السياق الإسلامي من الداخل ومن خلال تطور ما يُسمى عادة بـــ"العلوم الإسلامية" (Ramadan, 2018). وهو يشير إلى الجدل الواسع بين المختصين في تعريف مصطلح الايتيقا (سنبقي على كلمة ethic التي يستعملها الكاتب دون تعريب دفعا لكل التباس)، وإلى ما يمكن أن يؤدي إليه من لبس، إضافة إلى النقاش حول أصل الايتيقا ومصادرها، وضرورة التمييز بين الايتيقا والأخلاق. يدعونا رمضان، لفهم طبيعة الاختلافات المعاصرة في العالم الإسلامي حول المسألة، إلى ضرورة العودة إلى المنبع، والغوص في تاريخ الحضارة الإسلامية، أي إلى الجدل بين أهل الرأي (الاعتزال) وأهل النقل (الفقه والحديث) والتيارات التوفيقية (الماتوريدي) في تاريخنا حول موضوعة الأخلاق. ويحدد المجالات المعرفية التي يتحرك فيها المفهوم (إيتيقا) بالفقه والفلسفة والتصوف، بحكم أنها (أي الايتيقا الإسلامية) تعرضت لتأثير "عوامل تاريخية داخلية وخارجية بخصوص تشكلها وتأسيسها، كما بخصوص علاقتها بغيرها من ميادين المعرفة".
رغم وعي رمضان وتأكيده على ضرورة الانطلاق من المَفْهَمَة وتمييز مجالات عمل كل مفهوم (أنظر تحليله الجميل لعمل الياباني إيزوتسو حول المنظومة الدلالية لمصطلحات الأخلاق القرآنية)، إلا أنه – بالنهاية – لم يذهب بعيدا في تأسيس النظر القرآني حول المسألة، القائم على التأسيس المعرفي الإبستمولوجي لكل مفهوم على حدة، ولعل ذلك عائد إلى تركيزه على الأخلاق التطبيقية، في هذه الدراسة وفي غيرها.
***
وهاجس التمييز بين الأحياز هو الذي دفع بباحث آخر (Ali Raza Tahir) إلى تقديم دراسته حول "مفهوم الحياة الأخلاقية في الإسلام" بتلخيص جزء من تلك التساؤلات عندما قال: "حينما نبدأ بالنقاش حول الايتيقا تقفز إلى الذهن الأسئلة التالية: ما معنى الإيتيقا؟ ما الأخلاقيات؟ لماذا حياة أخلاقية؟ لما تكون القيم الأخلاقية ضرورية لنا؟ ما هو الحَسَنُ وما هو القبيح؟ ما هو الصحيح وما هو الخطأ؟ كيف نحدد الفعل الصائب من الفعل الغلط؟ هل يمكن تحصيل الغايات الأخلاقية وأنت فردًا أم وأنت في المجتمع؟ ما طبيعة الفعل الأخلاقي؟ وهل هو ذاتي أم موضوعي؟" (Tahir & Sohail, 2012: 1360). لا شك أن ما يطرحه الكاتب جزء من الأسئلة المهمة في طرح الإشكاليات التي يفترضها رسم أحياز مفاهيم القيم والأخلاق والايتيقا من الزاوية القرآنية، ولكنه عندما يذهب إلى تحديد معايير الفعل الأخلاقي من وجهة نظر إسلامية يعود إلى تعريفات القواميس الغربية الحديثة؛ تحيلنا الدراسة، عند تعريفها للايتيقا، على "قاموس كامبردج للفلسفة" الذي جاء فيه:
ethics, the philosophical study of morality. The word is also commonly used interchangeably with ‘morality’ to mean the subject matter of this study; and sometimes it is used more narrowly to mean the moral principles of a particular tradition, group, or individual. Christian ethics and Albert Schweitzer’s ethics are examples. In this article the word will be used exclusively to mean the philosophical study (Audi, 1999: 284).
ومن كان يطمئن إلى هذا التعريف ويجعله مرجعا له لا يمكنه إلا أن يسحب ما يتصوره رؤية إسلامية إلى ذلك العقل الابستيمي، مهما ظن أنه يؤسس لنظر مستقل ... أي "مِنْ داخل" المنظومة الاسلامية. لذلك "يلتجأ" طاهر في تحليله إلى الصور المسوَّقَة في العقل الإسلامي التقليدي (والبسيط) التي تنطلق من التوحيد وصولا إلى شروط خلافة الانسان في الأرض والتزامه بغايات الخَلْق، مرورا بموقع الرسول باعتباره مُجسِّدًا "للمفهوم القرآني للكائن الأخلاقي"، وبالتالي بضرورة اتباعه في أقواله وأفعاله لرسم معالم "الفلسفة الأخلاقية" في الإسلام.
***
نجد هذا النوع من المقاربات متكررا لدى المهتمين بعلم الأخلاق في الإسلام، والواعين – نظريا – بوجود فروق (كبيرة أو صغيرة) بين المفهومات المشكّلة له، ولكن دون ترجمة ذلك الوعي في بناء نظرية أخلاقية خاصة. نجد ذلك في كتابات الباحث الموزمبيقي "باولينو فاق مُوازس" الذي تعبّر إحدى دراساته عن تلك الحالة (الأخلاق كوجود إنساني أساسي: أربع دلالات للأخلاق في التكوين والأخلاقية الإسلامية)؛ ويبيّن في دراسته مدى أهمية الايتيقا في الأخلاقية الإسلامية، تكوينا وفعلا، والدور الأصلي الذي تلعبه في طبع الوجود الإنساني، وفي الترويج لسلوك الفضيلة صلب الجماعة المسلمة. ويقول إن الايتيقا تهتم في نفس الوقت "بالبحث النظري حول طبيعة الأخلاقية morality، وبالتطبيق العملي في سياقات الحياة اليومية"، وهي كذلك لأنها "تُحيل على مجال الفلسفة، الذي يبحث في المبادئ الأخلاقية، والقيم، ومعايير التصرّف التي توجّه السلوك البشري واتخاذ القرار" (Paulino, 2024).
وعندما حاولت الباحثة الأوكرانية إيلينا شارافانينكو تفحّص مفهوم الايتيقا في الإسلام، كان عليها أولا اكتشاف جوهر مفاهيم الأدب والأخلاق فيه، والبحث في شبكة العلاقات بينهما، وثانيا البحث عن مكونات الايتيقا في الإسلام من خلال تأثيرات الأحداث المعاصرة فيها (Sharafanenko, 2024). وقد ميزت بين مجالين، فعرّفت الايتيقا التي تعني الواجب الأخلاقي المحقق بأنها الأخلاق عينُها، والايتيقا التي تهتم بقواعد السلوك في المجتمع المسلم بأنها الأدب. وتذهب الباحثة إلى أن أصل كلمة أخلاق في العربية يتحرك في مستويات ثلاثة من المعنى: "تعني الايتيقا في الأول نظام الشريعة؛ وفي الثاني العلم الذي يهدف إلى تحسين شروط الانسان للتقرب إلى الله؛ وفي الثالث أخلاقية شخص بعينه". وحتى عندما تعرّف الأدب باعتباره إيتيقا تطبيقية داخل الجماعة، فإنها تبقى ضمن النسق التقليدي في طرح هذه الأسئلة المهمة، دون التحول بها إلى بناء نظرية في الأخلاق القرآنية.
***
مسالك الطريق "الوعرة"
ذهبت دراسة "الايتيقا والنظريات الايتيقية في أفق إسلامي" (Al-Aidaros & al., 2013) إلى أبعد من ذلك عندما عددت وناقشت مختلف النظريات الايتيقية في الغرب، قبل مقابلتها بالايتيقا من وجهة النظر الإسلامية (أنظر الرسم المصاحب أسفله).
شبكة النظريات الايتيقية في الغرب
(Source: Al-Aidaros (2013)
وقد خَلُصتْ إلى أن التصور الإسلامي، المرتكز على القرآن والسنّة، يرفض ما جاء في تلك النظريات، مفاهيم ومعايير وحُيوز تحرك، لأن الإسلام – في نظر هؤلاء الباحثين – هو في نفس الآن "مجموعة من المعايير والقيم والقوانين التي تُشكّل نمط حياة المسلم". وفي فقرة "المنظور الإسلامي حول القضايا الأخلاقية" يحاول أصحاب الدراسة رسم ذلك الأفق من خلال البحث في عدد من مساهمات زعماء ووجوه الحركات الاسلامية المعاصرة، كالبنّا والمودودي ومحمد الغزالي وفتحي يكن وغيرهم، وتحليل موقفهم من مسألة الأخلاق، وهم بذلك فوّتوا على أنفسهم – برأينا – فرصة البناء على نتائج ما قاموا به من مقارنات بين النظريات الأخلاقية المعاصرة، واستخراج نظرية قرآنية (جُوّانية) لنظريتي القيم والأخلاق.
***
يقترب باحثون آخرون من الغاية التي خصصنا لها سلسلة مقالاتنا هذه؛ ومن بين هؤلاء يذهب الباحث الأمريكي المسلم ذي الأصول التنزانية، عبد العزيز ساشيدينا في كتابه "الأخلاق الإسلامية، قضايا أساسية في السلوك البشري" (Sachedina, 2022)، والذي يخصصه لما يسميه بالطريق الثالث في استخراج نظرية الأخلاق الإسلامية: مقاربة الفقهاء، بعد أن لاحظ إهمال المسلمين في تاريخهم المعرفي لهذه المقاربة، وتركيزهم على تناولها من طريقين: المقاربة الفلسفية والمقاربة اللاهوتية (الكلامية).
عاد ساديشينا إلى القرآن، وحكى لنا عن تجربته الطويلة معه بخصوص السؤال الأخلاقي، واكتشافه لمفهوم التزكية فيه، باعتباره أخلاقية تقوم على / وتستمد محتواها من أهداف الوحي ومن رسالة الأنبياء، خاصة أن كتب الفقه والحديث قد: "تجاهلت تماما مجال الفلسفة الأخلاقية، باعتباره ميدانا مستقلا من البحث في الوضعية الأنطولوجية للقيم داخل الايتيقا، أو السلم الابستمولوجي للمعرفة الإنسانية الخاصة بتلك القيم" (التأكيد من عندنا).
يبدو المؤلف على وعي تام بحيوية القيام بدفع النقاش (أولا) حول تلك المفاهيم، وتحديد ميدانها المعرفي، ورسم سلم العلاقات بينها، لذلك يُعنون فصول كتابه كما يلي:
In Search of a Comprehensive Definition of Ethics/ The genesis of moral reasoning in religious ethic/ Scriptural sources of ethical methodology/ Natural law and ethical necessity/ The ethics of interpretive jurisprudence
ويطرح على نفسه فيه دراسة القيم الأخلاقية دراسة إبستمولوجية، وتَبَيُّن أثرها المباشر في "التطبيقات الفقهية التأويلية" بهدف استخلاص مفهوم العمل الصالح. ويميّز بين الأخلاق الفطرية في القرآن، وترتبط هذه بـ"أخلاق القانون الطبيعي"، وبين أحكام الشريعة الأخلاقية المرتكزة إلى مفهوم التزكية والتي تؤدي بدورها إلى الاستقامة والعمل الصالح. نحن هنا – مع ساشيدينا – في مستوى آخر من رسم الأحياز المفهومية والمعرفية لمصطلحات القيم والأخلاق والايتيقا (الأدب) في الثقافة الإسلامية، وبقطع النظر عن مدى نجاحه في استخراج "الرؤية القرآنية للقيم" من خلال اعتماده مدونة الفقه وأصول الفقه في إعادة رسم السؤال الأخلاقي، فإنه أفلح – بنظرنا – في الكشف عن زاوية النظر المنهجية المثلى في مقاربة المبحث الأخلاقي الإسلامي بالعَوْد إلى إعادة تركيب النسق الداخلي القرآني.
***
نأتي الآن إلى بعض المساهمات النادرة التي ترجمتْ – برأينا – وعيها بضرورة الانطلاق (في جوابها عن سؤال الأخلاق في أفق إسلامي) من إعادة النظر في معنى المفاهيم وفي أطر تحرّكها انطلاقا من داخل النص القرآني نفسه. ومن هؤلاء على سبيل المثال الكيني (Azim Nanji) عضو مجلس إدارة المركز العالمي للتعدد بكندا، الذي يقول في مساهمته بالكتاب الجماعي (A Companion to Ethics) ص 108: "الصفة الإنسانية التي تجسد مفهوم القيمة الأخلاقية المثالية في القرآن تتلخص في مصطلح التقوى، الذي يظهر بأشكاله المختلفة في النص أكثر من مائتي مرة. إنه يمثل، من ناحية، الأساس الأخلاقي الذي يكمن وراء الفعل الإنساني، بينما يرمز، من ناحية أخرى، إلى الضمير الأخلاقي الذي يجعل البشر يدركون مسؤولياتهم تجاه الله والمجتمع. وعند تطبيقه على السياق الاجتماعي الأوسع، تصبح التقوى العلامة الأخلاقية العالمية لمجتمع أخلاقي حقا" (Nanji, 1991). يحسم الكاتب مصدر القيم الإسلامية في القرآن والسنّة، ويقيم سُلّمًا لها، تكون مرتبته العليا للقيم الكلية المرتبطة بغايات الخَلْق، مرورا بالتشبه بالنبي باعتباره المَثَل الأخلاقي الأعلى، وصولا إلى استعمال العقل الفردي والجماعي في التطبيقات الايتيقية المتطورة والمتعيّنة في التاريخ. ونفس التوجه والمقاربة (مع تفصيل أكبر) نجده عند الماليزي عبد الرزاق حاشي في دراسته "الأخلاق الإسلامية: المبادئ والأفق" (Hashi, 2011)؛ وكذا في دراسة الباحثتان منصورة إبراهيمي وقمر الزمان يوسف (ماليزيا - كندا) حول "الهوية الإسلامية، المبادئ الايتيقية، والقيم الإنسانية". وقد بحثت الدراسة الأخيرة في أهمية الأخلاق الإسلامية، وأصلها، وخصائصها. وبما أن الإسلام يمثل معيار الحياة المتكاملة المُؤطَّرَة بالقيم الأخلاقية، فإن الايتيقا تُعرّف القيم الإسلامية بأنها (الطبيعة الخيّرة) التي شكّلتها تعاليم القرآن والسنة وعدد من مبادئ الشريعة وأقوال الفقهاء. وهذه المقدمة هي التي دفعت بالباحثتين، وهما تعيدان رسم الدوائر الدلالية للمفاهيم المعنية، إلى اكتشاف أن دائرة الاخلاق في القرآن تُعبّر عن نفسها بمصطلحات متنوعة كالخير والبر والمصلحة والقسط والعدل والحق والمعروف والتقوى (Ibrahimi & al., 2017).
بداية جلاء المعنى
ولعل أبرز مثال عن المقاربة التي عنيناها في النظر إلى المسألة عبر سلسلة مقالاتنا نجده في دراسة جماعية حديثة لباحثات ماليزيات بعنوان: "القيم والأخلاق الغربية والإسلامية: هل من اختلاف؟" (Haron & al., 2020).
تقيم الدراسة مقارنة موضوعية بين القيم الغربية والقيم الإسلامية، اعتمادا على Shalom H Schwartz (جامعة القدس) بالنسبة للأولى، وعلى Ghoniyah و Hartono (جامعة السلطان آغونغ بأندونيسيا) (2014) وعلىEbrahimi و Yusoff (2017) بالنسبة للثانية. وميّزت بوضوح بين مفهومات القيم والأخلاق والايتيقا، في التعريف وفي مجالات الفعل، وفي العلاقات؛ بل وخصصت لذلك فقرة طويلة تحت عنوان: (DIFFERENCES BETWEEN VALUES, MORAL, ETHICS AND INTEGRITY)، أقامت فيها جداول للمقارنة بين الفضاءين، وقوائم عرضت فيها للقيم الأساسية والقيم المكمّلة في الرؤية الإسلامية، وفصلت في محتوها، وأحالت على مرجعيتها في القرآن.
وتلخّص الدراسة تعريف تلك المفاهيم كما يلي: "يمكن القول إن القيم هي التي شكلت الأخلاق، وأن الأخلاق هي التي ساهمت في بناء الاتيقا، وأن النزاهة هي الممارسة أو نتيجة المبادئ والقيم الأخلاقية والايتيقية الأبرز" (Haron & al., 2020 Haron & al., 2020-20).
ويمكننا القول إن هذه الدراسة قد تقدمت بنا أشواطا في الوعي بضرورة القيام بالخطوات التالية بخصوص بناء نظرية قرآنية للقيم الإنسانية من داخل النسق الإسلامي:
- التفريق والتمييز بين مفهومات القيم والأخلاق والايتيقا، وتحديد معنى كل واحد منها تحديدا ابستمولوجيًا
- رسم مجالات كلٍ من تلك المفاهيم، وفضاءات تحركها ومرجعيتها العملية
- تحديد أهداف كل مفهوم وغاياته النظرية والتطبيقية
- رسم شبكات كل مفهوم، سواء منها الداخلية، أو الخارجية
- استخراج السلالم الأخلاقية في كل مستوى من المستويات
ولعلنا في الجزء القادم نعمل على تحليل الدراسات التي تدبّرتْ تلك الخطوات وطبّقت من خلالها محاولة بناء تلك النظريات الفلسفية من داخل المدونة الإسلامية.
(يتبع)
قائمة المراجع
- Al-Aidaros, Al-Hasan; Mohamed Shamsudin, Faridahwati; Kamil, Mohamed (2013). "Ethics and Ethical Theories from an Islamic Perspective". International Journal of Islamic Thought 4(1): 1-13;
- Audi, Robert (1999). The Cambridge dictionary of philosophy, second edition. Cambridge University Press.
- Decosimo, David (2018). Political Freedom as an Islamic Value. Journal of the American Academy of Religion, December 2018, Vol. 86, No. 4, pp. 912–952
- Dumont, Louis (1980). Homo Hierarchicus: The Caste System and its Implications. M. Sainsbury, L. Dumont, & B. Gulati, transl. Chicago: University of Chicago Press.
- Dumont, Louis. (1966). Homo hierarchicus. Essai sur le système des castes, Paris, Gallimard.
- Faque Moisés, Paulino (2024). ETHICS AS FUNDAMENTAL HUMAN EXISTENCE: Four Significance of Ethics in Islamic Training and Morality. Journal of Islamic Thought, Volume: 1 Issue: 1 https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4813980
- Ghoniyah, Nunung, & Hartono, Sri (2014). The Role of Islamic Corporate Governance in SMEs to Improve the Welfare of Society. International Journal of Economic Research, 11(3) :601-613
- Haron, Hasnah; Jamil, Nurul Nazlia and Ramli, Nathasa Mazna (2020); Western and Islamic values and ethics: are they different? Journal of Governance and Integrity (JGI) Vol. 4, Issue 1, 12 – 28
- Hashi, Abdurezak A. (2011). Islamic ethics: An outline of its principles and scope. Revelation and Science, Vol. 01, No.03 (1433H/2011) 122-130 https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4813980
- Laidlaw, James (2017). “Ethics / morality”. In The Open Encyclopedia of Anthropology, edited by Felix Stein. Facsimile of the first edition in The Cambridge Encyclopedia of Anthropology. http://doi.org/10.29164/17ethics
- Mansoureh, Ebrahimi; Kamaruzaman, Yusoff (2017). Islamic Identity, Ethical Principles and Human Values. European Journal of Multidisciplinary Studies; Volume 2, Issue 6
- Nanji, A. (1991). Islamic Ethics. In P. Singer (Ed.), A Companion to Ethics (pp. 106–118). Oxford: Blackwell Publishing.
- Ramadan, Tariq (2018). Islamic Ethics: Sources, Methodology and Application. In Islamic Bioethics: Current Issues and Challenges, Alireza Bagheri ed. London/ Singapor: World scientific publishing; p 1-21
- Robbins, Joel & Sommerschuh, Julian (2016). “Values”. In The Open Encyclopedia of Anthropology, edited by Felix Stein. Facsimile of the first edition in The Cambridge Encyclopedia of Anthropology. http://doi.org/10.29164/16values
- Robbins, Joel (2007). Between Reproduction and Freedom: Morality, Value, and Radical Cultural Change. Ethnos: Journal of Anthropology, Volume 72, Issue 3
- Sachedina, Abdulaziz (2022). Islamic Ethics: Fundamental Aspects of Human Conduct. London: Oxford University Press (July 15, 2022)
- Sharafanenko, Elena (2024). Pillars of ethic of Islam: fundamental principles of Muslim morality: modern interpretation. Social Science Research Network (SSRN)
- Tahir, Ali Raza & Sohail, Muhammad (2012); The concept of ethical life in Islam. Institute of Interdisciplinary Business Research, JANUARY 2012, VOL 3, NO 9, pp 1360 – 1369